adraoui Admin
عدد المساهمات : 162 تاريخ التسجيل : 20/12/2010
| موضوع: الخطأ الطبي بين الشرع و القانون الجزء:2 الإثنين يناير 10, 2011 12:27 am | |
| الخطأ الطبي بين الشرع و القانون الجزء:2 الخطأ العادي: فالخطأ العادي هو ما يصدر من الطبيب صاحب المهنة عند مزاولته مهنته دون أن يكون لهذا الخطأ علاقة بالأصول الفنية لهذه المهنة، فهو- كما يقال - الخطأ الذي لا يخضع للخلافات الفنية، ولا يتصل بسبب الأصول العلاجية المعترف بها في الفن الطبي. وهذا ما أكدته الشريعة الإسلامية، حيث أرجعت الخطأ العادي إلى الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الناس كافة، ومنهم الطبيب، باعتباره يلتزم بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزم بالقواعد العلمية أو الفنية التي تمليها عليه خصوصية مهنته. ومثال ذلك أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو سكران، أو مصاب بعجز في يده، أو يستعمل في العملية أداة غير معقمة، أو أن يأمر الطبيب بإخراج مريض من المستشفى على الرغم من أن حالته تستوجب العلاج... ومعيار هذا الخطأ هو معيار الخطأ المعروف وهو الانحراف عن السلوك للرجل العادي. معيار الخطأ الطبي: إن تحديد معيار واضح للخطأ الطبي يكون أساساً لمساءلة الطبيب كان محل خلاف بين الفقهاء الذين اختلفت آراؤهم إلى قسمين اثنين: أولهما: المعيار الشخصي الذي يتأسس على السلوك الشخصي المعتاد للطبيب، فإن كان هذا الخطأ قد نتج عن سلوك أقل حيطة وحذراً من سلوكه الذي اعتاده، توافر في حقه الإخلال بواجبات الحيطة والحذر. ثانيهما: معيار موضوعي يقوم على أساس اعتماد سلوك نموذجي للشخص الذي يلتزم في سلوكه وتصرفاته قدراً متوسطاً مألوفاً من الحيطة والحذر، وبذل الجهد و العناية لمعاجة المريض. ولا يجوز له أن يخطئ فيما استقرت عليه أصول مهنته. فإذا أخلَّ الشخص بواجبات الحيطة والحذر عما يلتزم به الشخص المعتاد توافر في حقه الإخلال بتلك الواجبات. ولا شك أن الأرجح في مجال الأخطاء الطبية الأخذ بالمعيار الموضوعي. صور الأخطاء الطبية من أهم صور الأخطاء التي يمكن أن تصدر من الأطباء على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: - حالة رفض تنفيذ الالتزام: قد يرفض الطبيب تنفيذ التزامه لأسباب شخصية ولا تتحقق مسؤوليته حينئذٍ؛ لأنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص، وأن مجرد الامتناع عن العلاج لا يرتب مسؤولية ما لم يوجد نص، هذا، فضلاً عن انعدام الرابطة السببية بين الضرر و الخطأ. ولكن هذا الأمر يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب و لاسيما إذا كانت حالة المريض خطيرة وتستوجب العلاج الفوري و التدخل السريع.لأجل ذلك اعتبرت التشريعات الجنائية الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر بمثابة جريمة يعاقب عليها بنص القانون. وفي هذا الصدد يمكننا القول، بأن مجرد امتناع الطبيب عن العلاج في مثل الحالات السابقة يشكل خطأ يستوجب مساءلة الطبيب بعد توافر الأركان اللازمة وهي: حصول الضرر للمريض ووجود علاقة سببية بين الخطأ المرتكب والضرر الحاصل، بل أحياناً تترتب مساءلة الطبيب الجراح ولو في غياب الضرر الفعلي للمريض الذي لم تتم إغاثته في الوقت المناسب، لأن المعاقب عنه في هذه الحالة ليس النتيجة المترتبة على امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة، ولكن الامتناع ذاته بصرف النظر عما أدى إليه ذلك من نتائج. - حالة تخلف رضا المريض: وهي الحالة التي تستوجب مساءلة الطبيب جنائياً، وتحمله تبعة المخاطر الناشئة عن العلاج، ومع ذلك يمكن إعفاء الطبيب من المسؤولية إذا تخلف شرط الرضا، وإذا أثبت وجود حالة الضرورة والمتمثلة في: توافر حالة الاستعجال لانقاد حياة المريض، كما أنه في حالة انتفاء الرضا الصريح، يمكن للطبيب المعالج أن يستفيد من ظروف الحال و القرائن التي تحيط به لاستخلاص الرضا. - الخطأ في مرحلة التشخيص: إن الخطأ في تشخيص المرض يتطلب الوقوف على أمرين اثنين: أولهما: يتعلق بحالة الإهمال. وثانيهما: يرتبط بالخطأ العلمي الذي قد يصدر من الطبيب. فإذا أظهر الخطأ في التشخيص جهلاً واضحاً لا يغتفر أو مخالفة صريحة الأصول العلمية الثابتة والسائدة في علم الطب، فإنه يشكل خطأ يسأل عنه الطبيب مسؤولية جزائية. لأجل ذلك يجب على الطبيب أثناء قيامه بتشخيص حالة المريض أن يلجأ إلى جميع الفحوصات العلمية والعملية المتعارف عليها، فإذا أهملها كان مسؤولاً عن الأضرار الناجمة عن أخطائه في التشخيص. - الخطأ في مرحلة العلاج: وهو يكون في حالتين هما: 1-عدم مراعاة و إتباع الأصول العلمية السائدة. 2-الإخلال بقواعد الحيطة والحذر. وهذا ما أكدته إحدى المحاكم الفرنسية بقولها:" إن الطبيب يعتبر مخطئاً، إذا أمر بعلاج لم يراع فيه بُنية المريض وسنه وقوة مقاومته، ودرجة احتماله للمواد السامة التي تقدم إليه". فعلى الطبيب أن يراعي عند اختياره للعلاج الحالة الصحية للمريض، وسنه ومدى مقاومته ودرجة احتماله للمواد التي سيتناولها والأساليب العلاجية المطبقة عليه وغير ذلك من قواعد وأصول مهنته. الخطأ من خلال العمليات الجرّاحية: ويتصور هذا الخطأ خلال المراحل الثلاث: 1- قبل العملية الجرّاحية، حيث يستوجب على الطبيب بذل عناية،واتخاذ التدابير والاحتياطيات اللازمة لمعرفة الحالة الصحية للمريض، بإجراء فحوص مسبقة شاملة، واختيار الطريقة المناسبة للجراحة قبل تحقيقها، إلا في حالة الاستعجال. 2-أثناء العملية الجرّاحية، بحيث لا تثور مسؤولية الطبيب الجرّاح إلا في حالة عدم أدائه لعمله بالمهارة التي تقتضيها مهنته، وبالمستوى الذي ينتظره منه المريض، بسبب إهماله وعدم انتباهه في نفس الوقت. ومثال ذلك: أن يباشر الجراح عملية جراحية على الرِجل اليسرى للمريض بدل الرِجل اليمنى، أو عندما يترك أجساماً غريبة في جسم المريض، مثل: ضمادة وتؤدي إلى الوفاة. 3-عقب العملية الجرّاحية: لا يقف التزام الطبيب عند مجرد إجراء العملية الجرّاحية، إذ يمتد التزامه بالعناية بالمريض، عقب ذلك حتى يتفادى ما يمكن أن يترتب على العملية من نتائج ومضاعفات، قد تضر بصحة المريض. ومن خلال ما سبق يتبين بأن هذه الصور متعادلة على اختلاف مراحلها، وفي جميع الحالات يكفي ثبوت خطأ في أية صورة من الصور لكي تجب مساءلة الطبيب مادامت علاقة السببية بين الخطأ و النتيجة متوافرة. ومن صور الأخطاء الطبية في الفقه الإسلامي ما أورده ابن قيم الجوزية –رحمه الله-:" متطبب جاهل، باشرت يده من يطبّه فتلف بهذا، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن... وإن ظن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته ضمن الطبيب ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه، فتلف به، ضمنه. والحديث ظاهر فيه أو صريح" وأيضا:" طبيب حاذق أذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدّت إلى عضو صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمَرة، فهذا يضمن لأنها جناية خطأ " العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر في المجال الطبي: السببية هي الركن الثالث من أركان المسئولية، وهي ركن مستقل عن ركن الخطأ. ومعناها الخاص هو: أن يكون الضرر نتيجة طبيعية لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه العقدي في المسؤولية العقدية وأن يكون نتيجة مباشره للإخلال بواجبه القانوني في المسؤولية التقصيرية، ولا فرق بين النتيجة الطبيعية والنتيجة المباشرة من حيث المعنى. وفي المجال الطبي تعني السببية وجود علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه الطبيب و الضرر الذي أصاب المريض، أو بمعنى آخر،يجب أن يكون الخطأ هو السبب في الضرر، فإن رجع الضرر الى سبب أجنبي انعدمت السببية، وتنعدم السببية ايضاً حتى لو كان الخطأ هو السبب ولكنه لم يكن السبب المنتج أو كان منتجاً ولكنه غير مباشر وفي هذا الصدد برأ القضاء الفرنسي طبيباً من تهمة القتل الخطأ، مستبعداً في ذلك ما جاء في تقرير الخبرة، و الذي لا يعدو – حسب تقدير المحكمة – أن يكون مجرد احتمال، لا يكفي لإدانة الطبيب، وأنه ليس ثمة من يقين يثبت بكيفية جازمة أن خطأ الطبيب هو السبب الحقيقي في الوفاة. هذا،ويكون تعيين العلاقة السببية يسيراً عندما يكون السبب الذي أحدث الضرر واحدا.ً كـأن يخطئ الطبيب في معالجة مريض خطأً جسيماً أو يسيراً، فيموت المريض. ولكن في حالة تعدد الأسباب لإحداث ضرر واحد يصعب تعيين رابطة السببية. لذلك لا بد من وجود معيار؛ لبيان تحقق علاقة السببية بين الأسباب المتعددة والضرر الحاصـل. وقد تعددت النظريات بشأن المعيار المعتمد في تحديد السبب الذي يعتبر الضرر نتيجة طبيعية له من بين مجموعة الأسباب القائمة ومن بينهما نظريتان رئيسيتان همـا: نظرية تعادل الأسباب:مفادها أن كل سبب له دخل في إحداث الضرر مهما كان بعيداً، وبالتالي تكون جميع الأسباب التي أحدثت الضرر متكافئة ومتعادلة وكأن كلاً منها منفرداً أحدث الضرر. وأما نظرية السبب المنتج فهي تنكر فكرة تعادل الاسباب، بل تنطلق من منطلق مغاير تماما وهو عدم تعادل الاسباب. كما تميز بين الأسباب المنتجة و العرضية , فالأولى هي التي أحدثت الضرر،أما الثانية فهي أسباب غير منتجة. وتلقى هذه النظرية دعماً كبيراً من لدن الفقه و القضاء . ومما سبق يتضح أن الضرر الذي يستوجب التعويض هو الضرر الناتج عن الخطأ، فلا يكفي لقيام المسؤولية في مجال الخطأ الطبي وقوع الضرر، بل لا بد أن يكون ما وقع للمريض من ضرر نتيجة مباشرة لخطأ ارتكبه الطبيب. والضرر –بصفة عامة-هو، كل ما ينجم عن الاعتداء على حق من الحقوق أو عن المساس بمصلحة مشروعة. وقد عرفه الفصل 98 من قانون الالتزامات و العقود المغربي " بأنه الخسارة التي لحقت المدعي فعلاً و المصروفات التي اضطر،أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل " والضرر الطبي "هو حالة نتجت عن فعل طبي مست بالأذى المريض، وقد يستتبع ذلك نقصاً في حالة المريض أو في معنوياته أو في عواطفه" . وهو بمثابة الأثر الخارجي للخطأ، و الركن الثاني في المسؤولية المدنية فلا يكفي لتحققها أن يقع خطأ بل يجب أن يسبب الخطأ ضرراً،والمضرور هو الذي يكلف بإثبات الضرر الذي وقع فيه لأنه هو الذي يدعيه، ولا يفترض وقوع الضرر لمجرد أن المدين لم يقم بالتزامه العقدي أو لمجرد إخلاله بالتزامه القانوني في إطار المسؤولية التقصيرية. وبالرجوع إلى القواعد العامة في القوانين الجنائية نجد أن الضرر الموجب للمسؤولية الجنائية لابد أن تتوفر فيه شروط هي: 1- ان يكون الضرر محققاً هو الضرر المؤكد الحدوث سواء كان حالاً أي وقع فعلاً أو كان مستقبلاً إذا كان وجوده مؤكداً وإن تراخى وقوعه إلى زمن لاحق، وقد ذهب القضاء إلى التوسع في مفهوم الضرر؛ إذ أجاز أن تقوم المسؤولية الطبية على أساس الضرر المتمثل في تفويت الفرصة للشفاء أو الحياة. 2- أن يكون الضرر مباشراً: أي أنه هو النتيجة التي ترجع أساساً إلى خطأ الجاني، وحتى لو كانت هناك أسباب أخرى ساعدت على تحقيقه. وللقاضي أن يقدر توافر السببية بين الخطأ والنتيجة الضارة. بمعنى أن يكون نتيجة مباشرة لعمل الطبيب. 3- أن يكون الضرر شخصياً: والضرر لا يكون شخصياً إلا إذا أصاب مصلحة شخصية لطالب التعويض، ولذلك قيل: إن شرط الضرر الشخصي يتحقق به شرط الصفة في رفع الدعوى المدنية. فالضرر الذي يلحق الشخص الذاتي هو وحده قابل للتعويض،وأن ضحية الخطأ الطبي وحده له الحق في المطالبة بالتعويض، وهذا ما أكده القانون الجنائي المغربي بنصه على أن الشخص الذي يرجع له الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر،هو من لحقه شخصياً ضرر ذاتي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة. هذا، ويأخذ الضرر الطبي صوراً وأشكالاً عديدة تتراوح بين الضرر البسيط، إلى إحداث عاهة دائمة، أو إلحاق تشويه بالمريض، أو وفاته... وعموماً يمكننا تقسيم الضرر الذي قد يلحق بالمريض إلى ضرر مادي، ومعنوي، وجسدي. فالضرر المادي يمس جوهرياً المصالح المالية للمضرور، ويكبده خسارة تصيب ذمته المالية مثل: مصاريف العلاج/الأدوية / مصاريف الإقامة في المستشفى... ومما تجدر الإشارة إليه أن الضرر المادي قد يتجاوز الشخص المضرور إلى أفراد عائلته الذين يعيلهم، وهنا تقوم مصلحة من كان يعولهم المتضرر في المطالبة بالتعويض نتيجة إصابة معيلهم(. والضرر المعنوي هو الضرر الذي يمس حقاً أو مصلحةً غير مادية للمتضرر، أي ذمته الأدبية كالمس بالكرامة الإنسانية،أو الاعتبار،أو السمعة،أو العرض، أو يصيب العاطفة من حزن وحرمان... ومثاله: أن يذاع على شخص أنه مريض مرضاً خطيراً فيسئ هذا الأمر إلى سمعته ومركزه،وفي هذا الصدد ورد في إحدى القرارات الصادرة عن المحاكم المصرية " إن الأمراض من العورات التي يجب سترها حتى لو كانت صحيحة،فإذاعتها في محافل عامة،وعلى جمهرة المستمعين يسئ إلى المرضى إذا ذكرت أسماؤهم،وبالأخص بالنسبة للفتيات،فإنه يضع العراقيل في طريق حياتهن، وهذا خطأ يستوجب التعويض " و الضررالأدبي قد يتصل بالضرر المادي، ومثال ذلك التشوه الذي أصاب المضرور نتيجة للحادث الذي سبب له جروحاً وكسوراً، فمن النادر جداً أن لا ينجم عن الضرر الأدبي ضرر مادي أيضاً. فالجرح مثلاً يسبب آلاماً للضحية، وهذا هو الضرر الأدبي ،ولكنه يسبب لها ضرراً مادياً أيضاً، ويتمثل في نفقات العلاج والتعطيل عن العمل. وأما الضرر الجسدي فهو الذي يصيب الإنسان في جسمه، ومن ثم يقع التعدي على الجسم أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إحداث تشويه فيه، أو نقص وظيفي...وأشد أنواع الضرر الجسدي هو الضرر الذي يؤدي إلى الوفاة. وعلى العموم يبقى الإجماع على أنه كلما وقع خطأ من الطبيب أثناء معالجته للمريض ونتج عن هذا الخطأ ضرر قامت مسؤولية الطبيب عن ذلك.
| |
|